القديس انطونيوس البادوي يبرئ ساحة والده من تهمة القتل
--------------------------------------------------------------
تلك الحقيقة طالما اختبرها ، وتدبر حكمتها رجال الله القديسون ، ومنهم القديس انطونيوس البادوي ،
الذي بعد ان حظي بتلك الفرحة الكبرى ، التي ملأت نفسه تعزية ، وجوانحه بهجةً وسروراً اذا به بعد ايام معدودة ، تحل به شدة ليس بعدها شدة .
فقد اوحى له الله بالملمة التي ألٌمت بوالده ، والمتهم فيها بالقتل . فقد حدث ان بعض المجرمين الاشرار قتلوا شابا من شباب ليشبونة ، وألقوا بجثته في
حديقة دار الشريف مرتين دي بوليون ، والد القديس. ولما لم يكن لدى النيابة دليل اقوى من وجود جثة القتيل داخل اسوار حديقة الشريف فقد أُلقي عليه القبض فورا ،
واودع السجن ، حتى اذا ما نظرت المحكمة دعواه ،و ثبتت عليه التهمة .حكمت عليه من غير شك بالاعدام . كان انطونيوس عندما علم بنكبة أبيه ، وهو يصلي ، في دير أرشيللا .
فما كان منه إلاٌ أن نهض من صلاته ، وقْبَلٌ الارض علامة لخضوعه لتدابير الحكمة الالهية ، وتسليمه لمشيئة الله الربانية .وان كان مصاب والده هذا قد هيج حزنه ،
وجعل عينيه تغرورق بالدموع .ثم اذا به يستأذن رئيسه ، ويشد رحاله للسفر ، قاصداً مدينة ليشبونة ، حاضرة البرتغال .فكان في الطريق ، وهو يسيرراجلا ،
يصلي دون انقطاع ،ليهيئ الله له و لوالده المتهم ظلما ، مخرجا من تلك التجربة القاسية، طبقا لقول الرسول بولس :" ان الله أمين ، لا يدعكم تجربون فوق طاقتكم ،
بل يجعل مع التجربة مخرجا ، لتستطيعوا ان تحتملوا " ( 1 كو 10 : 13 ) . واليك الان المخرج الذي اعده الله لإخراج الوالد البرئ وابنه القديس من محنتهما الشديدة :
انه سلسلة من المعجزات ،سيجريها الله الواحدة تلو الاخرى ، في سبيل استجابة دعاء صفيه وحبيبه انطونيوس ،الذي كان يصلي بلجاجة ، لكي يسرع تعالى في اغاثة والده المنكوب الحظ ،
فينقذه من موت العار الذي يتهدده ، قبل فوات الاوان . وكانت اولى تلك المعجزات هي نقل انطونيوس نفسه من بادوا ، التي لم يكن قد ابتعد منها بعد ، الا بضع كيلومترات معدودة ،
الى ليشبونة ـ والمسافة بينهما آنذاك ، اذا قطعها انسان على رجليه هي شهر كامل ـ بطريقة فائقة لم تخطر على بال فقد ارسل تعالى ملاكه ، فنقله من مدينة بادوا المذكورة الى حاضرة البرتغال
في لمح البصر ، تماما كما نقل ،من قبل ، ملاك الرب حبقوق النبي من اليهودية الى بابل ، في بلاد العراق ، الى جب الاسود ، حيث كان ملقى دانيال النبي ( راجع سفر دانيال 14 : 32 ـ 35 ) .
لم يضيع انطونيوس شيئا من وقته ، بل بمجرد وصوله الى المدينة مسقط رأسه سارَ تواً الى دار المحكمة .واخذ يدافع عن ابيه ، مطالبا القضاة بأطلاق سراحه .الا ان القضاة ، وان كانت كلمة القديس
قد هزتهم هزاً شديداً ، الا انهم اصروا على حدٍ سواء ،على طلب ما يؤيد حجته ، ولو بشهادة واحد من الناس . واذ رأى القديس ان لا جدوى من الكلام ، وانه لابد من الفعال ،
قال لهم بلهجة المؤمن
الذي يستطيع ان ينقل الجبال :
" هلموا اذن معي الى قبر القتيل ، لتسمعوا هناك الخبر اليقين " .ثم دون ان يعطيهم اية مهلة للتفكير ،اتجه الى باب المجلس .
فخرج منه الى مدافن المدينة . يتبعه المجلس وكل الحضور ،
و قد انضم في الطريق الى الموكب جمهور غفير من الناس ، من كل طبقة ، حتى اذا وصلوا جميعا الى المدافن ، حيث قبر القتيل ،
ناداه القديس ، امام القضاة وكل الجمهور ، بصوت عال جهير ، قائلا :" ايها القتيل ،
اني آمرك بأسم الله العلي القدير ، ان تقر علناً ، امام كل هؤلاء السادة جميعا ، فتجاوب على سؤالي : هل الذي قتلك هو مرتين دي بوليون ، او احد من عشيرته؟ ".
واذا بالميت ، الذي كان بأمر النيابة قد فتح قبره ،
ينصب على قدميه ، و يجيب بوضوح ، قائلا : " ان قاتلي ليس هو مرتين دي بوليون ،ولا احد من عشيرته ". ثم يعود فورا الى حالته الاولى جثة هامدة ،
فاقدة النطق و الحياة . واذا بجمهور الشعب يهلل ويكبر :
" معجزة ! .. معجزة !.. ".ورأى القضاة الفرصة سانحة ، فألحوا على القديس بأن يسأل الميت عن اسم قاتله .ولكنه ابى قائلا :
" اني ماجئت الى هنا لأشُهر بالمجرم ، بل لأنُقذ البرئ ". ثم انطلق بصحبة والده ،
وقد انجلى عن قلب الأب وأبنه كل هم وغم ، لمشاهدة والدته التقية ، حيث أمضى معهما بقية ذلك اليوم . ان كل هذه الاحداث العجيبة ،
ومنها عودة القديس من جديد الى بادوا الى دير ارشللا ،
بنفس الوسيلة المعجزة عينها ، قد استغرقت 24 ساعة ، اي نهارا وليلة لا غير .